وبما أن مادة الثقافة الإسلامية قررت على جميع الكليات وعلى مختلف التخصصات متطلباً جامعياً عاماً، اقتضت الحاجة أن يدرسها أكثر من أستاذ، وبالتالي اتفق المدرسون لهذه المادة في كل جامعة أن ينسقوا بين ما كتبه كل واحد منهم، ثم يخرج كتاباً على طلاب تلك الجامعة.
ومن سلبيات التأليف المشترك دائماً تباين الأساليب في الكتابة، وظهور الجانب التخصصي في كتابة كل مؤلف في الموضوع الذي تناوله.
ولهذا السبب كثرت المؤلفات في الثقافة الإسلامية، واختلفت الموضوعات التي اشتملت عليها كتب الثقافة حسب المناهج الدراسية لكل جامعة، وحسب الأفكار المطروحة في كل بيئة تلفت أنظار جيل الشباب وعلى رأسهم شباب الجامعات.
وقد اشتركنا في تدريس مادة الثقافة الإسلامية سنوات عديدة، وفي أكثر من جامعة، واشتركنا في وضع خطة هذه المادة، وقد رأينا بعد مناقشات ضافية حول الخطة المثلى التي توفر للشباب الجامعي أساساً صلباً للانطلاق، كما توفر له مناعة من الانحراف وراء الشعارات البراقة الخادعة -خاصة في عصر الفضائيات والانترنت - بل وتسلحه بأسلحة العصر ليس في الدفاع عن الإسلام، بل في حمله رسالة عالمية يدعو إليها في مختلف الأزمنة والأمكنة.
تلك الخطة التي تحقق ذلك في تقديرنا هي:
أولاً: التعرف على مصادر الثقافة الإسلامية الأصيلة من : القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والمصادر التبعية كالتاريخ والحضارة.
ثانياً: الاهتمام بالعقيدة ليدرك الشاب المثقف منطلقاته العقدية، فيتعرف على أركان الإيمان والاستدلال عليها وما يتعلق بها.
ثالثاً: الجانب التطبيقي في الثقافة الإسلامية، وهي أركان الإسلام، فكان التعرض لمجالين: العبادات والأخلاق.
رابعاً: تعريف الطالب بأكبر التحديات الخارجية التي تهدد الثقافة الإسلامية ومعتنقيها؛ فكان التعرض لأهم هذه التحديات المعاصرة: الغزو الفكري، والعلمانية، والعولمة.
ورأيناً أن نكتب حسب هذه الخطة؛ لقناعتنا أنها تشمل الأساسيات في الثقافة الإسلامية، ولكي يتوحد أسلوب العرض والبيان.
وقد حاولنا قدر استطاعتنا أن نضع عناوين صغيرة، وتحت كل عنوان فقرات لكي يسهل على الطلاب استيعاب الأفكار، وترتيبها حسب أولوياتها وجزئياتها.
والله نسأل أن ينفع بهذا الجهد المتواضع أبناءنا وبناتنا من طلبة الجامعات، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله لنا من الباقيات الصالحات ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أهمية الثقافة الإسلامية:
لقد ابتعد العالم الإسلامي عن المناهج الإسلامية التي اتبعها علماء المسلمين خلال العصور الماضية، فقد نص المربون المسلمون الأوائل الذين ملأت شهرتهم العلمية الآفاق، وسار على نهجهم التربوي الأجيال العديدة، على أن بداية التعليم ينبغي أن تكون من سن الرابعة للطفل: بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الحكم المأثورة والشعر الرقيق اللطيف البليغ، وبعد سن التمييز - السابعة فما فوق - تبدأ بدايات العلوم الأخرى.
ومنذ أن أخذ العالم الإسلامي المناهج الغربية والشرقية ابتعدوا عن المنهج الإسلامي، وربما وصل الطالب والطالبة إلى المرحلة الجامعية وهو لا يدري أساسيات الإسلام، التي لا يصح إسلامه إلا بمعرفتها نظرياً، وتطبيقها عملياً.
لذا كان من الضرورة بمكان أن تقرر مادة الثقافة الإسلامية متطلباً جامعياً في جميع الكليات الإنسانية منها، والتطبيقية العملية، ويدعو إلى ذلك ويحتمه:
الانتماء إلى الإسلام:
إن انتماءنا إلى الإسلام يفرض علينا حداً أدنى من الثقافة، لا يصح إيمان المسلم ولا يدخل دائرة الإسلام إلا بمعرفتها معرفة يقينية، وتطبيقها تطبيقاً عملياً.
فأركان الإيمان الستة: "الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خير وشره" لا يصح إيمان المسلم إلا إذا علمها، واعتقدها اعتقاداً جازماً.
وأركان الإسلام الخمسة: "الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" لا يتم إسلام المسلم إلا بمعرفتها وتطبيقها تطبيقاً عملياً.
بالإضافة إلى معرفة الأخلاق الحميدة التي دعا الإسلام إلى التحلي بها، والصفات والانحرافات التي نهى الإسلام عنها.
كل ذلك مطلوب من المسلم أن يعرفه؛ حتى يكون مسلماً محققاً الانتماء لدينه، والانتماء للإسلام يفرض هذه الثقافة، لتتحدد معالم الشخصية المسلمة الجديرة بالإسلام.
الحصانة الفكرية:
نحن نعيش في عصر أزيلت فيه الحواجز الزمانية والمكانية، ووصلت الأفكار والمعلومات إلى كل مكان شئنا أم أبينا، والانفجار المعرفي يلف العالم بتياراته المختلفة، وكل صاحب دعوة أو مذهب أو فكرة يدعو إليها بأساليب جذابة لافتة للنظر، فإن لم يكن المسلم -وخاصة الشباب الإسلامي- على معرفة بالموازين التي تعرفه بالخطأ والصواب وتميز له بين الحق والباطل، وبين ما يقبله الإسلام وما يرفضه، إن لم يكن على معرفة بهذه الموازين والمقاييس قد ينزلق وراء دعوة أو مذهب يخرجه عن الإسلام وهو لا يدري.
فالثقافة الإسلامية تعطيه هذه المقاييس، وهذه الموازين التي يقبل بها الأفكار أو يرفضها، وتحصنه فكرياً تجاه تلك الدعوات البراقة، والتي تدس له السم في الدسم في كثير من الأحوال.
المسلم إيجابي فاعل في مجتمعه:
إن المسلم خلق لمهمة عظيمة، وهي أن يكون خليفة لله -سبحانه وتعالى- على هذه الأرض؛ ليعمرها وفق منهج الله تعالى، وإعمار الأرض يحتاج إلى تضافر جهود الأفراد، والجماعات من قبائل وشعوب هذه الأمة، وتعاون أمم العالم.
هذا الاستخلاف والعمران، يحتاج إلى معرفة المنهج، ومقومات تحقيقه.
إن إدراك هذه المهمة، يتطلب من المسلم معرفة: سنن الله في الكون، وفي المجتمعات، وفي الناس؛ لكي يكون ذا دور إيجابي فاعل في مجتمعه ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) [التوبة: 71].
ويقتضي معرفة التاريخ الإنساني والحضارة البشرية، وسنن الله في نشوئها وارتقائها أو انحدارها وزوالها، والقيم التي تساعد في كل ذلك، كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [الحجرات: 13]، ولثقافة الفرد والجماعة الأثر الكبير في أداء هذا الدور البناء في المجتمع الإسلامي وفي المجتمع الإنساني.
معالجة المعضلات العالمية بالإسلام:
لقد قدم المسلمون أنموذجاً فريداً للعالم، عندما أقاموا حضارة إسلامية توافرت فيها كل مقومات الحضارة الإنسانية المثالية، وكان سبب نجاح هذا الأنموذج، أنها بنيت أساساً على الوحي المتمثل في القرآن العظيم، والسنة النبوية الشريفة، ونتيجة التطبيق العملي لهدايات الإسلام، فكانت دولة الإسلام صاحبة الحضارة الربانية، التي تحققت فيها كل معاني العدل، والعز والتقدم والسعادة.
ولكن عندما انصرف حكام المسلمين عن التمسك بهدايات الإسلام وضعفت هممهم عن المعالي، وانشغل علماء المسلمين وأصحاب القيادة الفكرية عن دورهم الترشيدي للحكام، وخرج من أيديهم الدور القيادي في العالم، آل الأمر إلى قيادات أقامت مناهجها على الاجتهادات البشرية القاصرة، واتبعت أهواءها، فساد الظلم والشقاء وعمت التعاسة أنحاء المعمورة، وأصبح العالم غابة تتصارع فيه القوى المادية، وشعر الناس بالخواء الروحي والعيش الضنك، فتحققت فيهم سنة الله تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [طه: 124].
إن المثقف المسلم يملك الحل السوي لمشكلات البشرية، والعلاج الناجع لأدوائها الروحية والعقلية، والبشرية اليوم بأمس الحاجة إلى هذه الحلول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق